[b]ولم يكن أوريجانوس، ذلك العبقري الفذ، هو أعظم قادة الفكر بين المصريين وحدهم ولا بين جانب المقيمين في مصر فحسب، بل كان أعظم أهل زمانه في كل بلاد الشرق والغرب أيضاً ... حتى أنك لا تفتح كتاباً أو دائرة معارف شرقية أو غربية إلا وتجد أسم اوريجانوس يحوطه الإعجاب والإحترام والتقدير العظيم .. وهو يوصف عادة بأنه المع لاهوتي في زمانه، ومن أعظم قلة معدودة في تاريخ المسيحية بأسرها وأنه فاق في شهرته أساتذته الأفذاذ وقفز اسمه إلى قمة الشهرة التاريخية وصار يعرف بــ ( دكتور) الكنيسة الجامعة .
الأمر الذى لا شك فيه،ولا جدال حوله .. هو عبقرية أوريجانوس وشخصيته الفذة التي .. جمعت فأوعت: روحانية عميقة وعلماً واسعاً وعقلاً جباراً وأستاذية نادرة ورجلاً مكملاً بالفضائل الأخلاقية والذهنية والعلمية بصورة يتيمة لا تتكرر في التاريخ إلا في حقب متباعدة تفصل بينها قرون وأجيال.
وأضاف نيافته: "والمعروف عند جميع الدارسين، أن كل الذين تتلمذوا على العلامة أوريجانوس من آباء الكنيسة الكبار كانوا معجبين به كل الإعجاب ولقد أثنوا عليه في كتاباتهم ثناء عاطراً نادراً ومدحوه مدحاً سخياً وبغير تحفظ وحمدوا له أيضاً غيرته المسيحية الأرثوذكسية، وذكروا له بالإعجاب والفخر مقاومته للآراء الهرطقية، فضلاً عن المذاهب الفلسفية الوثنية المنتشرة في زمانه ومن بينها مذهب كلسوس Celsus الفيلسوف البيقوري الكبير، الذي تزعم مهاجمة المسيحية وكان يسخر منها،فانبرى له أوريجانوس بالبيان الشفاهي والكتابي حتى أنهزم كلسوس أمام قوة حجتة بل وأعلن اقتناعه بالمسيحية، وأعتنق المسيحية ووضع في تأييدها كتباً .
ومن بين الهرطقات التي قاومها اوريجانوس بدعة ضد خلود النفس أنتشرت في بلاد العرب في أيام فيلبس، فذهب إليها وحضر فيها مجمعاً وأستطاع أن يهدي الضالين وأن يواجه الهراطقة بالدليل والبرهان، حتى أجهز على تلك البدعة وقضى عليها .. وغير ذلك الكثير صنعه أوريجانوس، وله الفخر أنه أستطاع أن يرد إلى الإيمان الأرثوذكسي بريل أسقف البصرة.
في أثناء عودة العلامة أوريجانوس من بلاد العرب، مر بقيصرية (فلسطين) وهناك رسم أسقفاً مما جعل الأنبا ديمتريوس بابا الأسكندرية يغضب من ذلك الأمر وكان ذلك سبب الخلاف الرئيسي بين الأنبا ديمتريوس والعلامة أوريجاونوس، المهم إستغل العلامة أوريجانوس هذه الفرصة وأسس في فلسطين مدرسة على غرار مدرسة الأسكندرية لتعلم أهل قيصرية تعاليم السيد المسيح وكافة العلوم الأخرى.
بعدما تنيح الأنبا ديمتريوس أرسل إليه كلاً من خلفائه الأنبا ياروكلاس والأنبا ديونيسيوس على فترات متقطعة كلاً في عهده أرسلوا إلى العلامة أوريجانوس في فلسطين، أنهم محتاجون إليه في مصر وفي مدرسة الأسكندرية ولكنه رفض بسبب أن مدرسة الأسكندرية كانت إزدهرت وشد عودها أما المدرسة التي أنشأها في فلسطين لا تزال تحتاج إلى الرعاية حتى يشتد عودها مثل مدرسة الأسكندرية.
عبقرية أوريجانوس
على أن مشكلة أوريجانوس الحقيقية هى عبقريته .. أن عبقريته جعلت إنتاجه الخصب أبعد من مناله، فلم يكن له الوقت ليراجع أعماله ... وأكثر كتاباته وربما كلها لم يكتبها بقلمه .. ولكن كان لها جيش من الهواة والأتباع والتلاميذ، بعضهم يكتب بقلم سريع ما يمليه عليهم الأستاذ العظيم وبعضهم كان يأخذ ما يكتبه اصحاب القلم السريع (الإختزال) وينسخونه في صحائف بخط واضح وجميل ... ولم يكن لأوريجانوس الوقت يراجع فيه اقواله والكتابات التى ينقلها عنه بعض تلاميذة ولا المخطوطات المنسوخة بالخط الواضح الجميل ..
ومع أمتداد حياته زاد إنتاجه الخصيب حتى صار يضم ألوفاً من الكتب وقد قال عنه القديس أبيفانيوس أسقف قبرص : "أن قارئاً مهما كان واسع الأطلاع لا يسعه الإلمام بكل مؤلفات أوريجانوس لأن له اكثر من ستة الاف كتاب".